عدنان بن عبد الله القطان

11 شعبان 1444 هـ – 3 مارس 2023 م

———————————————————————————–

الحمد لله تفرَّد بالكمال، وتكرَّم بجزيل النوال، فله الحمد على كل حال وفي كل حال، ونشكره بالغُدُوِّ والآصالِ، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تنزَّه عن الأشباه والأمثال، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنعوت بشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خير صَحْب، وآل، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآل.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن الله تبارك وتعالى خلقنا ورزقنا وكلفنا بعمل الصالحات، وأخبرنا أنها ستوزن بميزان الحق والعدل؛ فقال سبحانه وتعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) واستشعار المرء وقوفه بين يدي الله عز وجل؛ ليحاسبه على الكثير والقليل، والصغير والكبير. يجعله يبادر إلى فعل الخيرات؛ استعداداً ليوم العرض الأكبر الذي تعرض فيه إعمال العباد على الله جل ثناؤه. ولأننا في شهر شعبان، شهر ترفع فيه الأعمال والتقارير إلى الله، أقف وإياكم اليوم مع أربعة تقارير مهمة متعلقة بكل إنسان في هذا الكون. نعم عباد الله ثمة تقارير أربعة ترفع عن كل عبد من عباد الله إلى ربه تعالى؛ كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة النبوية الصحيحة. إنها تقارير ربانية يكتب فيها كل شيء عمله الإنسان في حياته، إن خيراً فخير، وإن شرًّاً فشر. تقارير إلهية يدون فيها، ويُحصى فيها، ويسجل فيها، ويحفظ فيها الأقوال والأفعال، والزمان والمكان.. فما هذه الأربعة التقارير؟ وما الأوقات التي ترفع فيها هذه التقارير ومتى يتوقف عمل هذه التقارير؟ أمـا هذه التـقاريـر الأربعة التي ترفع عن كل عبد إلى ربه سبحانه وتعالى، فهي: أولاً: التقارير اليومية: وهي التقارير التي ترفع عن العبد يوميّاً، وفي كل يوم.

ودليل رفع التقارير اليومية هو ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم: إنَّ اللهَ لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ، ولكن يخفضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفعُ إليه عملُ اللَّيلِ قبل عملِ النَّهارِ، وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ..)

ومعناه كما بينه أهل العلم: أن الله تعالى يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده، وعمل الليل في أول النهار الذي بعده؛ فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل.

وهناك غيرهم من الملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار ليرفعوا تقارير للملك الجبار سبحانه وتعالى عن أعمالنا صغيرها وكبيرها.

كما قال صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار…)، ومعنى يتعاقبون: أي: تأتي طائفة بعد طائفة. (يتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ ربهم وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ).

وأما اجتماعهم في صلاة الفجر والعصر، فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمة لهم بأن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير). ففي هذين الوقتين ترفع التقارير اليومية آخر كل يوم وليلة. فعمل النهار يرفع في آخره، وعمل الليل يرفع في آخره، وهكذا. وهذا الرفع يطلق عليه: الرفع الخاص؛ أي: خاص بعمل الأيام والليالي.

ثانياً: التقارير الأسبوعية: وهذه التقارير ترفع كل إثنين وخميس؛ كما صح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئاً، إلَّا رَجُلاً كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا) أي: أمهلوا هذين حتى يتصالحا… فهذا النوع من الرفع خاص بعمل العبد خلال الأسبوع..

ثالثاً: التقارير السنوية: وهي التقارير السنوية لأعمالك، وترفع في شهر شعبان الذي غفل الناس عن فضائله ومِنحه وجوائزه الربانية. شعبان الذي شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة، وقراءة القرآن، والذكر، والصيام. وقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر أيامه، وعندما سُئل عن ذلك، أخبر عليه الصلاة والسلام أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ قال ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ)

رابعاً: التقارير الختامية: وهذا النوع من التقارير يكون عند انقضاء الأجل، وانتقال الروح إلى باريها، وموت الإنسان، فحينئذٍ تُطوى صحيفة عمل أبن آدم، ويختم عليها، ثم ترفع إلى ملك الملوك تبارك وتعالى… فانظر وتأمل وفكر يا عبد الله كيف سترفع أعمالك وهل هي أعمال ترفع الدرجات؟ أم أنها أعمال تستحيي أن تعرضها على إنسان مثلك، فكيف برب الأرض والسماوات الذي خلقك ورزقك وأسبغ عليك نعمه ظاهرةً وباطنة؟ هل هذا التقرير يؤهلك للنجاح والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، أم أنها أعمال ظلمت فيها وقصرت في العبادات، وارتكبت الفواحش والمحرمات وأكلت أموال الناس بالباطل، وأخذت حقوق العباد دون وجه حق، وكذبت وشهدت شهادة الزور، وعصيت والديك، وخاصمت قرابتك وقطعت رحمك؟

وهذا النوع من الرفع يشمل رفع جميع أعمال السنة، ويكون هذا الرفع في شهر شعبان.

أيها المؤمنون: أربعة تقارير ترفع عن كل عبد من عباد الله إلى ربه تبارك وتعالى، وهي التقارير اليومية، والتقارير الأسبوعية، والتقارير السنوية، والتقارير الختامية.

وهذه التقارير ليست كتقارير البشر، التي يشوب أكثرها الكذب والتلفيق وتزوير الحقائق وغالباً ما تكون معرضةً للأخطاء والسهو والنسيان، وقد يُعاد النظر فيها مرات ومرات أخرى وتكون قابلةً للحذف أو الإضافة أو التعديل.. أما التقارير الإلهية الربانية، فهي تختلف عن تقارير البشر في أمور عدة؛ منها: أولاً: إن كُتَّاب هذه التقارير مهرة في الكتابة والإحصاء، فيكتبون القليل والكثير، والصغير والكبير، ويكتبون القول والفعل، والزمان والمكان؛ قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال جل وعلا: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) وقال: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) وقال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)

ثانياً: إن كُتَّاب هذه التقارير أمناء، فلا يحابون ولا يهادنون ولا يجاملون، وكل شيء عندهم مسجل ومحسوب، ويتم توثيقه في سجل، لا  يُغير ولا يُبدل، ولا يزور ولا يحرف؛ قال تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وقال سبحانه: (كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)  ثالثاً: إن هذه التقارير تُكتب في سجلات كبيرة، ثم تُنشر يوم البعث والنشور؛ قال تعالى: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) وقال جل ثناؤه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) وقد صح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ إنساناً من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ: أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ؟ يقولُ: لا يا ربِّ فيقولُ: أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: بلَى، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها: أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، فيقولُ: احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ؟ فقالَ: فإنَّكَ لا تُظلَمُ: قالَ: فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ تبارك وتعالى شيءٌ)

رابعاً: إن هذه التقارير يبنى عليها المستقبل الحقيقي للشخص، فإن كانت إيجابية، سعد صاحبها في الدنيا والآخرة، وإن كانت سلبية، فلا يلومن إلا نفسه.

ومصداق ذلك ما جاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ينادى يوم القيامة على الناس: يا أهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ.

خامساً: إن الذي يطلع على هذه التقارير ليس حاكماً ولا ملكاً ولا رئيس دولة، ولا رئيس وزراء ولا وزيراً، ولا والياً ولا أميراً، ولا رئيس مؤسسة، إنما هو ملك الملوك جل في علاه القائل: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وقد جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنها، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يُدْنَى المُؤْمِنُ مِن رَبِّهِ: حتَّى يَضَعَ عليه كَنَفَهُ، أي: (يَستُرُ عبْدَه عن رُؤيةِ الخَلْق له؛ لئلَّا يَفتضِحَ أمامَهم فيُخْزى) فيُقَرِّرُهُ بذُنُوبِهِ، تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذا؟ يقولُ: أعْرِفُ، يقولُ: رَبِّ أعْرِفُ مَرَّتَيْنِ، فيَقولُ: سَتَرْتُها عليك في الدُّنْيا، وأَغْفِرُها لكَ اليَومَ، ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَناتِهِ، وأَمَّا الآخَرُونَ – أوِ الكُفّارُ والمنافقون – فيُنادَى عليهم علَى رُؤُوسِ الأشْهادِ: (هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا علَى رَبِّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللَّهِ علَى الظّالِمِينَ)

نسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ويرزقنا صدق النية، وحسن العمل إنه سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله فتح لعباده أبواب الإنابة، نحمده ونشكره على نعمه ونسأله الزيادة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: من الأزمنة الفاضلة التي ينبغي أن يستغلها المؤمنون في الخير: شهرنا هذا شهر شعبان؛ الذي مضى منه ثلثه، فشعبان دورة تدريبية بين يدي رمضان؛ لكي يدخل المسلم شهر الصيام، وقد تمرن على المسارعة إلى العمل الصالح، وإنما تسهل الأعمال على من تعود على أمثالها قبل مجيئها… إن شهر شعبان شهر استعداد روحي لاستقبال ضيف الروح السنوي، لكن هذا الاستعداد الصحيح لا تعرفه كل النفوس، وإنما تعرفه النفوس المتألقة في سماء الطاعة، التي تصقل القلوب والجوارح حتى يدخل رمضان التحلية بعد رحيل شعبان التنقية. ومن أعظم القربات في هذا الشهر بعد الفرائض قربة الصيام، هذه القربة التي تصلح الأجساد والأرواح والعقول، فلا يخرج شعبان عنهم إلا وقد أخذوا نصيبهم من صيامه؛ حرصاً على الخير واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصومُ حتى نقولَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، وما رأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استكمَلَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلَّا رَمَضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صياماً منه في شعبانَ) ولما سئل عن صيامه قال بإنه شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائم)

أيها المؤمنون: شهر شعبان شهر للألفة والمحبة، والائتلاف والاتفاق، شهر يربي المجتمع المسلم على نزع كراهية المسلمين والحقد عليهم، ونبذ التشاحن والتباغض، ويحوطه بسياج من الود والدعوة إلى الاجتماع والقرب، فيا من تدنس قلبه بأدناس الغل والبغض، وولج أتونَ التفرق والنزاع والتشاجر؛ فهذا شعبان مغتسل بارد وشراب.. هلموا أيها المتقاطعون إلى كلمة؛ سواء في شهر المحبة والإخاء؛ لكي تجمعوا بها الشمل وترأبوا بها الصدع، وتداووا بها الجراح؛ فشعبان يدعو المتباغضين إلى خلع أسمال الكراهية والتناحر؛ لكي ينالوا مغفرة الله فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ يطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمشرِكٍ أو مشاحنٍ) فهل من سامع يعي، وطالب مغفرة ينتصر على نفسه وهواه؛ فيقبل على تصفية قلبه من الشرك والأحقاد -إن كانت فيه- ويمد يد المحبة إلى إخوانه المسلمين؟

عباد الله: ومن القربات التي ينبغي الحرص عليها والمبادرة إليها في هذا الشهر: الإكثار من قراءة القرآن الكريم، وترطيب الألسنة بآياته، وترقيق القلوب بحلاوة تلاوته، وتنوير العيون بالنظر إليه، وفتق العقول بتدبر معانيه. قال سلمة بن كهيل رحمه الله: (شهر شعبان شهر القراء)؛ وذلك أن قراءة شعبان لها أثر على قراءة رمضان إكثاراً وسهولة، وحلاوة وفهماً، وكان بعض السلف إذا دخل عليه شعبان تفرغ لقراءة القرآن وترك ما سواه.

وروي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان، انكبوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم؛ تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.

عباد الله: يعد شعبان آخر فرصة في العام لمن كان عليه قضاء صوم ولم يقضه من رجل أو امرأة، فمن كان عليه دين لربه من صيام فليبادر به ولو إلى آخر يوم من شعبان، ولا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر ويخرج، فمن فعل فعليه التوبة والقضاء والإطعام، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ)

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل خير

أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أحسن خواتيمنا وأحسن أعمالنا وأقوالنا ونياتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين..

اللهم أختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين… اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله أنت أهل التقوى والمغفرة.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

      سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين